الشجرة الصغيرة
مصطفى نصر
سرت بجوار سور نادى سبورتنج من ناحية الترام, توقفت بجوار شجرة صغيرة جدا, وعمود من الخشب معلق به لافتة:
" غرست هذه الشجرة فى المكان الذى قتل فيه ابننا الوحيد, تخليدا لذكراه"
كنت أعلم أن ثلاثة أشقياء قد واجهوا صبيا عائدا إلى بيته مساء, وحاولوا سرقة كل ما معه من نقود, لكنه قاومهم؛ فقتلوه فى هذا المكان.
شعرت بالأسى وبرغبة فى البكاء, فالوالدان المكلومان لم يجدا سوى هذه الوسيلة للتعبير عن حزنهما.هل هدأ الوالدان وارتاحا بعد غرس هذه الشجرة ؟
كنت أمر فى طريقى إلى مدرستى كل يوم مرتين من هذا المكان, واتابع الشجرة الصغيرة, واقرأ اللافتة مرة أخرى, وقد أخبرنى صاحب دكان قريب من المكان؛ عندما وجدنى مهتما بالشجرة:
- إن والدىّ الصبى الذى قتل هنا, يأتيان كل صباح لرى الشجرة والعناية بها.
للأسف لم أشاهدهما, ربما يأتيان فى وقت أكون فيه فى مدرستى.
لكن بعد أكثر من عام لاحظت أن الشجرة بدأت تذبل, وأوراق الشجر اليابسة التى تقع من الأشجار الكبيرة حولها؛ تحيط بالمكان. سألت صاحب الدكان القريب من الشجرة:
- لماذا ذبلت هذه الشجرة هكذا ؟
خرج الرجل من دكانه, ونظر إلى الشجرة قائلا:
قلت:جل والمرأة كانا يأتيان كل يوم لرى الشجرة والعناية بها, لكنهما لم يأتيا منذ أكثر من أسبوعين.
قلت :هل تعرف مكان بيتهما ؟
أشار الرجل إلى مكان البيت من خارج دكانه, وذهبت إليهما. وقفت أمام الشقة التى وصفها لى صاحب الدكان, ظللت أدق جرس الباب حتى ظننت أن الشقة خالية, وسرت بالفعل فى طريقى إلى باب البيت لأخرج, ثم سمعت صوت الباب يفتح؛ وامرأة عجوز تقف أمام الباب.
عدت مسرعا, قلت:
- جئت من أجل الشجرة الصغيرة ؟
صاحت المرأة فى لهفة وخوف:
- هل حدث لها مكروه ؟
- أخاف أن تموت من عدم الاهتمام بها.
دخلتُ الشقة والمرأة تحدثنى عما حدث لها:
- زوجى مرض مرضا شديدا حزنا على فقد ابننا الوحيد, فاضطررت أن أمكث بجواره لرعايته.
كان زوجها نائما فوق سريره يتابعنا فى صمت وضعف, صافحته ووعدت بأن أقوم برعاية الشجرة الصغيرة بدلا عنهما؛ وأن يسمحا لى بزيارتهما, والعناية بهما, وكأننى ابنهما الوحيد الذى فقداه.
كنت أذهب كل يوم لرى الشجرة الصغيرة, وتنظيف المنطقة حولها. وأقمت العمود الذى يحمل اللافتة, والذى كاد يقع على الأرض.
بعد شهور قليلة؛ قضيتها فى العناية بالشجرة والوالدان المكلومان؛ سرت بينهما من بيتهما إلى مكان الشجرة. كان الرجل يسير بمساعدة عصاه, ويده الأخرى فوق كتفى, بينما المرأة تسير بجوارنا مبتسمة. عندما رأيا الشجرة وقد أينعت وكبرت قليلا؛ شعرا بالفرح وأخذا يدعيان لى.